الصفحة الرئيسية > مدونات > مدونة خربشات: الأسباب التي تجعلني أتضامن مع طل الملوحي

مدونة خربشات: الأسباب التي تجعلني أتضامن مع طل الملوحي

قمت منذ بضعة أيام على الفايس بووك بعمل مشاركة لبعض الوصلات التي تتحدث عن قضية طل الملوحي. فكانت النتيجة انتقادات كثيرة وصلتني بطرق مختلفة من أصدقائي في سوريا. يمكن أن أقسم هذه الانتقادات، وباختصار إلى تيارين:

الأول: يرى أن طلّ قد نالت ما يستحقها بسبب تجسسها على بلدها لصالح الأمريكيين. وهي التهمة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية.

والثاني: لا يبالي بالموضوع، من أساسه ويستغرب اهتمامي به. وهو يرى أن الشابة طل تبدو من التيارات الإسلامية المتشددة، وبالتالي لا بد وأن تكون اقترفت ما تستحق عليه المحاسبة.

وهنا لا أخفي صدمتي واندهاشي من هذين الموقفين. لذلك أستعرض وإياكم فيما يلي بعض الأسباب التي تجعلني أتضامن مع قضية طل:

أولاً: لم أتمكن بصراحة من ابتلاع قصة التجسس هذه. لربما يعود السبب إلى فقدان الثقة مع قضائنا

الذي يوزع تهم “وهن نفسية الأمة وإضعاف الشعور القومي” بأسرع مما يتم فيه توزيع قسائم المازوت. فكيف عندما يتعلق الأمر بتهمة كبيرة كالجاسوسية لفتاة لم تتجاوز عند اعتقالها الثامنة عشرة من العمر؟؟ شخصياً وجدت السيناريو المعلن عنه، سيتاريو هوليوودي يأبى عقلي تصديقه. وكأنما تمت فبركته لحفظ ماء وجه الأجهزة التي اعتقلت الفتاة سنة ونصف من دون محاكمة، وبعد أن بدأ الحديث يكثر عن قضيتها من قبل منظمات حقوق الإنسان.

ثانياً: في حال كانت التهم الموجهة لطل صحيحة. فإن الطريقة التي تعاملت بها أجهزة الدولة مع القضية، وغياب الشفافية من خلال اعتقالها لمدة طويلة دون مقابلة محامين أو أي شخص من عائلتها، تفقد من مصداقية هذه الأجهزة. فما الذي كان يمنع من محاكمة علنية مع عرض الأدلة التي منعت حتى عن محاميها؟ خاصة وأن وزارة الخارجية لم تجد حرجاً في الإعلان عن كثير من التفاصيل المزعومة من قبيل اسم الدبلوماسي الذي استهدفته حادثة الاغتيال، أو أنه تم استدراج الفتاة من خلال استغلالها جنسياً؟

غياب الشفافية إذاً أفقد السلطات أية مصداقية في هذه القضية. لذلك فما من حل لاستعادة الثقة، إلا إطلاق سراح هذه الشابة واتخاذ إجراءات جدية على صعيد الحد من الاعتقالات النعسفية، وزيادة الشفافية في الإجراءات القضائية.

ثالثاً: لأنه يبدو من توقيت وطريقة إعلان الحكم، أن السلطات أرادت القيام بخطوة استباقية يراد بها توجيه رسالة تحذيرية إلى نشطاء الإنترنت في سوريا عن الطريقة التي سيتم بها التعامل معهم. وخاصة في ظل الدور الفعال الذي يقوم به أشقاؤهم العرب في أكثر من بلد.

رابعاً: لأنه في الوقت الذي تدعي في السلطات بأن القضية بعيدة عن كونها قضية رأيي، يتم اعتقال مدوّن آخر يدعى أحمد أبو الخير.

خامساً: وهو الأهم لأن إيماني المسيحي يطالبني بأن أتضامن مع المظلوم، وبالنسبة لي طل مظلومة حتى تثبت إدانتها. فما معنى إيماني بمسيح لم يتهاون عن بل نفسه في سبيل أحبائه، إن لم أكن قادراً عن الإشارة للظلم وإدانته؟؟

ما معنى قراءتي اليومية للإنجيل او تأملي فيه، إن تجاهلت نصاً مثل نص إنجيل (متى 25: 41- 45):

ثم يقول للذين عن الشمال: ((إليكم عني، أيها الملاعين، إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته: لأني جعت فما أطعمتموني، وعطشت فما سقيتموني، وكنت غريبا فما آويتموني، وعريانا فما كسوتموني، ومريضا وسجينا فما زرتموني )). فيجيبه هؤلاء أيضا: ((يا رب، متى رأيناك جائعا أو عطشان، غريبا أو عريانا، مريضا أو سجينا، وما أسعفناك؟ )) فيجيبهم: ((الحق أقول لكم: أيما مرة لم تصنعوا ذلك لواحد من هؤلاء الصغار فلي لم تصنعوه )).

ألا أكون منافقاً وفريسياً؟!

وأقول لأصدقائي المسيحيين أن الانتماء أو التعاطف مع تيار إسلامي متشدد لا ينبغي أن يكون يوماً مبرراً للظلم. فالمواجهة يجب أن تكون بالكلمة والفكر…

فأنتم نور العالم وأنتم ملح الأرض فإذا فسد الملح فأي شيء يملحه؟!

كتبت هذه التدوينة وما من دافع لي سوى تمني الخير لبلدي. لا أتمنى حدوث ثورات في سوريا، ولا أشجع عليها مطلقاً. لأني أومن بالتغيير الهادئ والمتدرج الذي يضمن التعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع السوري. والخطوة الأولى لهذا النغيير هي في إطلاق سراح معتقلي الرأي، وإطلاق الحريات فهل هذا كثير؟؟؟

في الختام أترككم مع هذه الأغنية لهدى من مسرحة آخر أيام سقراط لمنصور الرحباني. سقراط الذي وقف في وجه سفسطائيي أثينا. ليقول لهم أن الحقيقة لا يمتلكها أصحاب الصوت العالي ولا الأكثر قدرة على الجدل، فكان الثمن غالياً…

…جابو خسمية قاضي ما بعرف من ايا اراضي وما في قاضي منهون راضي…

…اجتمعت الدولة ببيا وإما والأجهزة الما بتتسما عزلمة بيحكي عالفاضي…

…تاري الدولة انتقمت منو  وانا شو بيعرفني انو الدولة بتخاف من الكلمة…

خربشة على الهامش:

لا أخفيكم بأنني أحاول منذ يومين ان أكتب هذه التدوينة. وما أن أبدأ بالكنابة حتى أتراجع. ولكنني في كل مرة أقول فيها لنفسي متى أصبح التعبير عن الرأي جريمة؟! إزاء ذلك لا أجد سوى أن أصر على أنني وغيري من المدونين لا نرتكب جريمة عندما نعير عن أرائنا في قضايا بلدنا ونطالب بالشفافية فيه.

 

  1. لا توجد تعليقات حتى الآن.
  1. No trackbacks yet.

أضف تعليق