الصفحة الرئيسية > مقالات > زياد دياب: طل الملوحي قطر الندى

زياد دياب: طل الملوحي قطر الندى

في الدولة البوليسية يفقد الإنسان ثقته بنفسه وشعبه والآخر، فلا يرى حوله سوى الظلام، هذا الإنسان لا يعتقد أنه هو نفسه المسؤول عن قدره بل هو مسير في عالم متآمر عليه دون غيره، ولهذا فكل ما يحدث له عبارة عن مؤامرة شريرة لا حيلة له فيها، وهكذا فمن الطبيعي أن يصاب بالهزائم والمصائب ليس لأنه متخلف أو أبله بل لأنه مستهدف!

إن التخوين والاغتيال المادي والمعنوي للمعارضين وحتى المنافسين هو أسلوب نمطي في الدول البوليسية التي تقدم للشعب هؤلاء الخونة كولائم على مذبح النظام بشكل دوري، أما الشعب فإنه يتحول باطراد إلى حيوانات صغيرة تتلذذ بنهش الأبرياء، كل ذلك كي يبرر النظام للشعب المسكين استبداده وتسلطه، فهو نظام مؤمن طيب ولكن ما حيلته وهناك الخونة والعملاء، لهذا هو يذبحهم فقط من أجل حماية الشعب واستقلال قراره الوطني!.

هذه القصة السخيفة رددتها كل الأنظمة الدكتاتورية بلا توقف ولا حياء، دمغ ستالين 90% من قيادات الحزب الشيوعي بالخيانة ثم صفاهم، وقتل هتلر أهم قادة الجيش الألماني بما فيهم روميل بعد إدانتهم كخونة، نفس الشيء فعله موسوليني حتى أنه قتل زوج ابنته ووزير خارجيته “شيانو” لأنه خائن، هذا السلوك المفضوح هو النضال الأثير لدى الطغاة العرب؛ مارسه جمال عبد الناصر عندما سجن مصطفى أمين بتهمة التخابر مع أميركا وقتل خليفته عبدالحكيم عامر وسجن أعوانه لأنهم خونة، أما السادات فاتهم بالخيانة نائبه وكبار أركان النظام وسجنهم، ولو انتقلنا إلى الشقيقة سوريا فلن تجد الحال مختلفا، فحافظ الأسد يدين ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث ويتهمه بالخيانة ويحكم عليه بالإعدام، كما يودع رفيق النضال صلاح جديد السجن ولا يخرجه إلا إلى قبر يليق به، وسار الابن على درب أبيه، ولم تنحصر مآثر الأسدين، الأب والابن في التخوين ومن ثم التصفية على سوريا بل امتدت إلى لبنان فطالت كثيربن منهم الصحفي سليم اللوزي والزعيم كمال جنبلاط ولم يتوقف المسلسل فهو ممتد إلى ما شاء الله.

إن الاغتيال المعنوي للمعارضين فن استخباري يجيده أوباش السياسة في جميع أنحاء العالم، ومثل أي فن أصيل آخر له قواعده، وهناك تجد المحترفين وحتى المبدعين الذين يخدمون أصنام السلطة، وأيضا هناك الهواة من الضحايا الذين أصابهم السعار فصاروا كلابا ينبحون بالمجان، وكما أن طلقات الرصاص هي أدوات الاغتيال السياسي المادي والتي لا يلجأ لها سوى البدائيون والمبتذلون، فالاغتيال المعنوي الذي هو عمل القتلة المهذبين له أيضا أدواته التي أهمها التخوين والتكفير والسخرية طبقا لطبيعة الجمهور الذي لابد أن يكون في كل الأحوال أبلها!.

إن مجرد الخلاف العابر مع الحاكم لا يعني “لدى الأجهزة البوليسية” سوى أن يكون المخالف عميلا وخائنا وربما أيضا شيوعيا كافرا، فلا يوجد لديها مبرر آخر لعدم اتباع الزعيم في كل شاردة وواردة “هل تلاحظون التشابه بين الطغاة الكبار وضحاياهم الأقزام”!، وهكذا أصبح العشرات من أصحاب الرأي في سوريا مدانين وخونة وعملاء لإسرائيل وأميركا وروسيا وترينداد وبلاد تركب الحمير!، ولأن الشعوب تتعلم سريعا اللعبة ربما بأفضل مما تفعله الأجهزة، فحتى القسوة في حاجة إلى عقل ونظام تفتقدهما الأجهزة معا!، فمن يقمع الشعب عليه ألا ينسى أن المقموعين يعرفون عن هذا النظام القمعي بأكثر مما يعرف القامع نفسه، فكلما بالغ الدكتاتور في غيه ازداد جهلا بمجريات الأمور وحين يصل قمته في قمع حريات الآخرين، يصل إلى ذروة جهله في معرفة ما يفكرون فيه، إنها ساعة الصفر للانتقام إذا عز التغيير.

طل الملوحي، فتاة لا تتعدى التسعة عشر ربيعا، طل ذنبها كتابات انتقادية بسيطة للنظام السوري دونتها على مدونتها، فكان أن عاجلها عملاء المخابرات السورية بالاعتقال وحرمانها من المشاركة في امتحان الشهادة الثانوية “البكالوريا”، عانت من استدعاءات أمنية متكررة منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها، ثم اعتقلت في 27 ديسمبر كانون أول 2009، ووفقاً للمواثيق الدولية فإن المدونة طل الملوحي وهي حفيدة وزير سابق في عهد حافظ الأسد تعتبر مخفية قسرياً، وهي جريمة تعتبر من أشد جرائم حقوق الإنسان، مصير طل الملوحي مازال مجهولاً، وعائلتها تعرضت لتهديد شديد بتلفيق ملف أخلاقي للفتاة الصغيرة ومحاكمتها بتهمة التجسس، وطلب إلى والديها عدم التعامل مع المنظمات الحقوقية التي تناصر قضيتها.

إن محاولة تلفيق ملفات شائنة لطفلة بالكاد دخلت سن الرشد يعكس طبيعة النظام السوري اللاأخلاقية عندما يكون الأمر متعلقاً بالفكر الأخر، الأب يقول بملء فيه: ابنتي عميلة! وتهدد أمن سوريا! وكاد أن يقول: جزى الله أجهزة الأمن خيراً على اعتقال ابنتي المجرمة العميلة؛ عليها من الله والشعب والدولة والمخابرات ما تستحق! أب مكلوم يحاول المحافظة على حياة ابنته لو كانت لا تزال على قيد الحياة؛ والمحافظة على سائر الأسرة لو صارت من الشهداء؛ مهما قال لا يلام، نلام نحن الذين تركنا الظالمين حتى صار الأب يقول مثل هذا عن ابنته درءا للظلم عنها وعن نفسه وسائر الأسرة؛ لو صلى وسجد للظالمين لإنقاذ ابنته لما لمته مطلقا، لا يعرف لوعة فراق الولد إلا من جربها، هو أشبه بغريق في محيط مملوء بسمك القرش، في ظلام دامس، لا يسمع إلا صوت تلاطم الموج، ينتظر أن يذبح بين ثانية وأخرى، ليس له إلا الله ملجأ وناصرا ومعينا.

العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني، علاقة عقدية مصيرية، علاقة كعلاقة افتراس الفتاتين السورية طل الملوحي، وندى سلطان الإيرانية، يتشابه النظامان باستبدادهما كما تتشابه الضحيتان باسميهما ندى وطل وكلاهما ذنبهما أنهما ينشران الندى والماء الخفيف على شجرة سورية أو إيرانية ذبلت ويبست لعلها تعود إلى الحياة من جديد فالله يحي العظام وهي رميم…

من اشعار طل الملوحي

فلسطين الحب

ليس للحب قدرة على الموت

ولو اجتمعت له كل البشر

فهو مخبأ في الأرض…في جذور الشجر

مختلط بذرات التراب وحبات المطر

لايغادر الحب أرضا

ولد فيها نبي…وعرج منها نبي

وجعل الحب فيها منارة للبشر

معادلة في الحب نسجت

بين الام وبين الطفل وبين الحجر

في موعد حب ازلي

في نظام الطبيعة وليس في فوضى البشر

***

أسكتوا هذه الفوضى…

اخفضوا الصوت…

أخفضوا الصوت او اصمتوا!!

ففلسطين ليست أرضا لقذف الحمم

اصمتوا…

واستمعوا الى تراتيل الحروف القديمة عند السحر

وصرير الابواب العتيقة بين أعمدة الحجر

وهمس رؤوس المآذن لأجراس الكنيسة في السمر

انتبهوا… واحذروا

لقد بان الخيط الابيض من الخيط الاسود

وبان الفجر جليا

***

هاهي فلسطين الام والاب والمعلمة

هاهي فلسطين تحمل في بطنها طفلا

وتحمل في بطنها حجرا…

فاحذروا ان تجهضوا الطفل!

امكم ستعاقبكم…والهلال والصليب..ان نسيتم الابجدية

امكم تقول لكم: تعلموا الجمع وابتعدوا عن القسمة

ياأطفال فلسطين أكتبوا ولو بأقلام رصاص مثلمة

واحذروا…احذروا ان تتوقفوا عن النمو

وقيدوا انفسكم الى دواة الحبر الضخمة

امكم ستمنحكم الوسام والامان والرفعة

فان سقطت..سقطتم،،واصبح الوسام عويلا

***

فلسطين…عشتك خفقة اثر خفقة

والقلب نبضه القدس والاقصى

سلام عليك،فاني وان لفظت انفاسي

ففي نفسي الاخير….

كنيسة المهد والمسجد الاقصى

في نفسي الاخير كنيسة المهد والمسجد الاقصى

***

وأنا في هذا المقال أدعو كل محب للإسلام والعروبة والإنسانية إلى التضامن معها.

 

  1. لا توجد تعليقات حتى الآن.
  1. No trackbacks yet.

أضف تعليق